مجلس الناس الطيبين.. في مجلس عائلة الكوهجي بمنطقة الجنبية


تغطية: لطفي نصر
تصوير: جوزيف

كانت ثالث سهراتنا الرمضانية ليلة أمس الأول في مجلس الناس الطيبين.. في مجلس عائلة الكوهجي بمنطقة الجنبية.. مضت سنوات اعتدنا فيها ألا تفوتنا زيارة هذا المجلس الكبير.. مع الحرص على أن نضعه في مقدمة قائمة المجالس التي ننوي زيارتها.

لاحظنا أن كبار رجالات الدولة، وحتى السفراء العرب والأجانب، يحرصون على زيارة مجلس الكوهجي.. وكل أفراد الشعب والعائلات قاطبة.. كما لاحظنا أن الجميع يسعدون بهم ويرتاحون إليهم ويعتزون بهم كثيرًا.. وكأنهم ينتظرون حلول شهر رمضان حتى يظفروا بهذه الزيارة وبهذه اللقيا العطرة.

مجلس كبير -كما أسلفنا- يُعبِّر عن واحدة من العائلات الكبيرة والمعدودة على هذه الأرض الطيبة.. عندما تدلُف إليه تلحظ على الفور صياغته بديكورات لمساتُها إسلامية وعربية أصيلة يكسوها فنٌّ رفيعٌ خالصٌ.. وتفاجأ في أي لحظة تتوجه فيها نحو هذا المجلس بأنه مكتظٌّ بشباب الكوهجي.. كلهم يتعلمون داخل وخارج البحرين.. لكن هذا الحرص على التعليم الراقي لا يؤخر أعمدة العائلة عن أن يعلموهم عن أحوال وأوضاع السوق التجاري.. وطبيعة الأوضاع الاقتصادية البحرينية.. وآداب المجتمع وحتى الوطنية.. تجد شباب الكوهجي يتحدثون بوطنية عالية.. بل مُتدفقة.

في هذا المجلس وغيره من المجالس الفسيحة والمترامية الأطراف من الصعب أن تسمع من يتحدثون فيها لرحابتها.. اللهم إلا في الأركان الضيقة.. فمهما كان صفاء مسمعيك فإنه من المستحيل أن تستمع إلى أكثر من متحدثين اثنين أو ثلاثة على أكثر تقدير.


يحلو لك ملاقاة أطفال وشباب الكوهجي.. لتلمس كم أن معظم شباب البحرين على درجة عالية من الوعي والنضج والوطنية.. شباب يتحدث في كل شيء ويعرف كل شيء ويعتز بوطنه وقادة بلاده كثيرا.. كما تلمس أن تطلعاته الوطنية والمستقبلية كبيرة جدًّا.
شباب يُتابع ما يدور في مجالس رئيس الوزراء باهتمام شديد.. ويردد أقوال وحكم سموه ووطنيته المغردة ويتأمل فيما قاله سموه، وفي كثير مما نقلته أنا عن هذا المجلس التنويري.. كما يناقش فكر سمو الشيخ محمد بن راشد ويُعبِّر عن تأييده الشديد لما أصدره مؤخرًا من قرارات تيسيرية وتسهيلات للأجانب ليسهموا في النهضة الاقتصادية وازدهار البلد.. إنه شبابٌ سعيدٌ بعودة الأجيال البحرينية الجديدة إلى جادَة الصواب.. حتى وإن عرف البعض متأخرًا أن إيران لا يهمُّها إلا مصلحة رجالات الحكم لديها.
لا أجدُ حيلةً أخرى
دائما في هذا المجلس أسلم منذ البداية بأنه لا يمكن لي أن أسجل فكرًا جماعيًّا أو رأيًا عامًّا.. فلا بد أن أنتحي ركنا يمكن أن أظفر فيه بحوار بين شخصين أو ثلاثة.
اخترت الركن الذي يجلس فيه عميد العائلة السيد عبدالغفار عبدالرحيم الكوهجي، والسيد طارق إسحاق الكوهجي، والسيد وليد عبدالله الكوهجي.
قلت للسيد عبدالغفار الكوهجي: في البحرين.. وتقريبا في دول الخليج كلها.. ينقسم الموقف من الأجانب إلى قسمين: قسمٌ مرحبٌ وعارفٌ بدورهم وأفضالهم على حركة الاقتصاد والنهضة عمومًا.. وقسمٌ نافرٌ ورافضٌ لأي وجود أجنبي على الساحة الخليجية.. ويقول إنهم يلتهمون خيرات بلادنا ويضيِّعون الفرص على أبنائنا؟
تحدث وقال في البداية: لقد أعجبتني كثيرًا وقفة سمو رئيس الوزراء إزاء كل ما تردد وقيل عن وجود الأجانب، وخاصةً عندما قالها قوية: «الأجانب لم يأتوا إلى بلادنا من تلقاء أنفسهم.. نحن من جلبناهم بإرادتنا المُطلقة.. وهم من يُسهمون في نهضة بلدنا وتقدمها.. فهل نشكرهم أم نزجرهم؟!»، كما أكد سمو رئيس الوزراء بالقول: «ليس لنا أي فضل على الأجانب الموجودين في بلادنا!!».
ثم قال السيد عبدالغفار: هل لا ترى عيون الناس كل هذا الكم من العطاء والخيرات التي يحققها الأجانب في جميع قطاعات الإنتاج والفكر والتعليم.. إلخ؟
المؤسف أن نجد بين ظهرانينا من ينظر هذه النظرة غير السوية إلى الأجانب.. بينما الأجانب في الغرب وغير الغرب أيضا لا يُنظرُ إليهم هذه النظرة المُعوَجَّة.. وفي الغرب لا تسمع عن عزل الأجانب.. أو بناء مساكن خاصة لهم.. أو إصدار قوانين خاصة.. إنهم يُعتبرون جزءًا لا يتجزأُ من المجتمعات الأوروبية وغيرها.
وقال السيد عبدالغفار: يُحزنني أن تكون نظرة البعض في بلادنا نحو العمالة الأجنبية عبارة عن قصور مُؤسف في الرؤية بل وفي التفكير.. ثم قال: أطمئنك أنهم سيتراجعون عن هذا الخطأ الكبير الذي يرتكبونه من خلال مشاعر منحرفة!.. إنهم لا يرون سوى وجهٍ واحدٍ للعملة.. فلو تحقق لهم ما أرادوا وأخرجنا الأجانب من بلدنا ستكون خسائرنا بالمليارات.
ثم قال: العامل الأجنبي يصل في بلدنا راتبه أقل بنسبة 25% من كل دول الخليج.. لأنه يستريح فيها أكثر ويصفها بالبلد العربي المتحضر.. وحتى لو أخَّرت مستحقاتهم أو أنقصتها تجدهم متمسكين بالبحرين.. أنا ضد مُدنٍ للعمال الأجانب.. وضد مطاعم خاصة وقوانين خاصة وضرائب خاصة.. فهذا تخريف!!
وعلى فكرة، إذا أصدرنا ضرائب على الأجانب.. البعض سيتقبل والبعض سيرحل.. وهذه خسارة أنا شخصيًّا أرفضها بشدة.
موقف سمو الشيخ محمد بن راشد
أما عن موقف سمو الشيخ محمد بن راشد.. فالحكاية مختلفة عما يتردد.. إنهم كانوا قد بدأوا يضيِّقون على الأجانب.. ويحاصرونهم بالقوانين والرسوم وغيرها.. فوجدوا أن الأجانب بدأوا يرحلون عن دبي وغيرها.. فاضطُروا إلى إصدار هذه الإجراءات التيسيرية.. وعمومًا فإن سمو الشيخ محمد بن راشد لديه نظرة شمولية إلى الأمور.. وأظهر رفضًا قاطعًا لمنْحَى التضييق على الأجانب وفي الوقت المناسب.. وهذا هو ما جرى ويجري الآن.
ثم يقول عميد عائلة الكوهجي: نحمد الله كثيرًا.. البحرين تمرُّ الآن بأحسن أوضاعها.. في الأمن والاستقرار.. وتحسن الأوضاع الاقتصادية.. فوضعنا الآن أفضل مما كنا عليه في عام 2011.
وقال: جهود ورؤية جلالة الملك وسمو رئيس الوزراء وسمو ولي العهد تأخذ بالبحرين إلى برِّ الأمان والازدهار.. وإلى علو مكانتنا بين الأمم.. وكان البعض يريد لنا أن نتدهور.. ولكن أوضاعنا الآن أفضل بكثير من ذي قبل.


وأضاف: وإذا أردت التحدث عن الوضع الاقتصادي فالأمور نسبية.. نحن في البحرين بخير.. ونحن مقدمون على خير أكبر.. وكل الدلائل والاكتشافات تؤكد ذلك.. وأنا لا أغالي إن قلت إنه إذا تحدثت عن دول الخليج فنحن -بحمد الله- في وضع أفضل استثماريًّا وعقاريًّا وتعليميًّا وطبيًّا.. وفي كل شيء.. وهذا ببركة الله ثم الجهود الخيِّرة لقادة الوطن.. بلدنا تخلو فقط من الطفرات، كما قد عافاها الله من مخاطر الركود.
طارق الكوهجي يُعقب
ويُعقب السيد طارق إسحاق الكوهجي.. وهو يكاد يكون الشخص الثالث في العائلة.. على طروحات عميد العائلة السيد عبدالغفار الكوهجي، فقال: في البداية كيف ندعي أننا بلد التسامح والتعايش والتآخي ثم نشعر بالازدراء نحو الأجانب الذين يخدمون في بلدنا، الأجنبي جاي يخدم بلدنا ولا يريد لها ضررًا.. يا جماعة، المهندسون والاقتصاديون والخبراء الأجانب يسهمون في تقدمنا وازدهار اقتصادنا ولا يؤخرون بلدنا ولا يأخذون أكثر مما يستحقون.. نحن أبناء الكوهجي هاجر بعضنا إلى السعودية.. فوجدناهم يعاملوننا أفضل مما يعاملون أبناء منطقتهم.. وحققنا نجاحات متلاحقة.. وأتساءل: هل شارك الهندي والباكستاني والمصري والأردني وغيرهم في أعمال تخريب وفوضى في بلادنا؟.. إن دول أوروبا تدفع مبالغ طائلة لجلب الأيدي العاملة والخبراء.. بينما الأجانب في بلدنا يقبلون العيش وسطنا بأقل القليل.. أقول للجميع: الإنسان.. أي إنسان، هو قيمةٌ عاليةٌ.. وليس علينا إلا أن ننظر إلى الإنسان كإنسان بنظرة إنسانية وليست جاحدة.
وقال: حقيقة يجب أن يعيها الجميع.. البحريني لا يستطيع أن يعمل كل شيء.. هناك أعمال وحرف وخبرات لا يجيدها.. هل عيب أن نكملها بعناصر من إخوتنا في الإنسانية؟ فمن العيب أن نقول على العربي وحتى المسلم إنه أجنبي!!
كلامٌ عن الاستثمار
ثم قال: أما بالنسبة إلى ما طُرح عن الاستثمار.. ومدى السماح للأجنبي بأن يستثمر ويتملك.. ويعيش هو وأسرته في البحرين.. فإنه تحضُرني مقولة لسمو الشيخ زايد (طيَّب الله ثراه) قال فيها: يجب أن أقول للمستثمر الأجنبي الذي بنى صرحًا في الإمارات شكرًا وألف شكر؛ لأنه عندما يترك بلدنا لن يحمل هذا الصرح على كتفه.. ويكفينا من هذا المستثمر أنه ألقى دولاراته في رمال صحراء بلادنا!!
وأضاف: الصحيح هو أن ندعو المستثمرين.. فبلدنا لا تزال بها أراض صحراوية.. لا يضر المواطن أن تُعطى للأجنبي ليستثمر فيها.. ثم إن كل دول العالم تقدم إعفاءات ضريبية للمستثمرين.. فماذا يضرنا لو أعطينا المستثمر إعفاءات وتيسيرات.. كفى عُقما!! إن نظرة البعض إلى استثمارات الأجانب -للأسف- هي نظرة عنصرية صميمة!!.. أرجو من أبناء البلد المتعصبين ألا ينسوا أبدًا أن أي استثمارات جديدة معناها خلق فرص عمل للبحرينيين.. ناهيك عن دمج الحضارات والخبرات.. كما أنها تفتح الأبواب لجعل عجلة الاقتصاد تتحرك حتى وإن رفض ذلك أصحاب العقول الضيِّقة.
وقال: ينسى البعض أن 85% من عقارات البحرين في مجملها الآن يملكها بحرينيون و20% للخليجيين و5% فقط لغيرهم من الأجانب. وحركة العقار في البحرين تسير من حسن إلى أحسن.. الآن العوائد من العقارات تتراوح بين 7% و8% و9% وأحيانًا تصل إلى 13%.. ويوجد رواج عقاري في البحرين أفضل مما هو في دول الخليج.. كما يوجد رواج أكبر في السكن الاجتماعي، تمليك الشقق أفضل ألف مرة مما هو موجود في دول المنطقة.
ثم اختتم طارق الكوهجي تعقيباته بقوله: نحمد الله أن الأوضاع في البحرين بخير، بل ممتازة.. حاورت سيدة أوكرانية تزور البحرين وسألتها لماذا تأتين إلى البحرين؟ قالت: البحرين دولة صغيرة فيها تعليم مجاني.. وعلاج مجاني.. وشوارع نظيفة.. ودولة منظمة.. شعبها يعطي الأمل.. ووضع البحرين الديمقراطي أنا أرى أنه ممتاز.
وقال: تركي آخر كان يزور البحرين حاورته بالتركية عن الفرق بين البلدين، فقال: يقولون تركيا فيها ديمقراطية.. لكن البطون فيها خاوية.. وإذا قيل إن الديمقراطية في البحرين أقل.. فإن البطون فيها شبعانة.. والرخاء يسود.. والحياة المعيشية أفضل وقادتها سمعتهم طيبةٌ جدًّا.
وتاجر المجوهرات له رأيٌ
وفي الركن نفسه الذي كنا نجلس فيه كان يوجد السيد وليد عبدالله الكوهجي صاحب شركة مجوهرات الكوهجي.. الذي أصرَّ على أن يُعقب على ما قاله عميد العائلة السيد عبدالغفار الكوهجي والسيد طارق الكوهجي، فقال: بالنسبة إلى الموقف من الأجانب فإنني أقولها بصراحة.. إن من يتجاهل فضل الأجانب على البحرين هو شديد الجحود.. فهذا الخير الذي نعيشه منذ عقود طويلة نصيبُ الأجانب في تحقيقه كبيرٌ جدًّا.. كيف ينسى البعضُ من علمونا ومن حافظوا على صحتنا ومن بنوا لنا بيوتنا.. وخططوا شوارعنا.. وبنوا مصانعنا.. ونشروا العمران في ربوع بلدنا.. إلى آخره!! وعلى أفضل ما يكون.. لكن كل ما أقوله هو أنه إذا كان أحد من أبنائنا بلا وظيفة فهو أولى وأهم من الأجنبي.. يجب أن تكون مصلحة ابن البلد في المرتبة الأولى.
وقال السيد وليد الكوهجي: إيانا أن نقع في خطأ تاريخي وحضاري داهم هو إساءة معاملة الأجانب.. علينا أن نعاملهم بالحُسنى.. وعلى هدي من تعاليم إسلامنا وتحضرنا وكرمنا العربي المشهود له.
وقال: أنا أحيي سمو الشيخ محمد بن راشد الذي يحرص على أن يكون رائدًا دائمًا في المواقف والحلول الإنسانية.. وأنا مع ما أقْدَم عليه من حيث جملة التيسيرات التي أصدرها لمشاركة الأجانب في مسيرة الخير في بلده.
وقال: أنا مع منح الإقامة (10) سنوات دفعةً واحدة.. لأن إقامة سنتين فقط للمستثمر تُربِكه كثيرًا وتُحبِط معنوياته.. كما أنني مع قوانين واحدة وموحدة تسري على الأجانب والبحرينيين من دون تفرقة.. وأن العقاب في حالة الخطأ والتقصير يجب أيضا أن يكون واحدًا على الجميع.. وأنا ضد أن ابن المستثمر الذي يبلغ 18 سنة يجب أن يرحل.. ما هذا العبث؟ فهل يمكن أن تستقر أسرة المستثمر بعد ذلك؟
وقال: الوضع الاقتصادي في بلدنا جيدٌ.. والفرص الاستثمارية واسعة لنا وللأجانب على أرضنا.. فعلينا ألا نضيِّع الفرص حيث يدعم الاستثمار في بلدنا أمن واستقرار واستتباب الأوضاع السياسية والاجتماعية أيضًا.
وقال: أوصي الجميع بألا يقارنوا أوضاعهم بزمن الطفرات.. علينا أن نرضى بما نحن فيه الآن فهو جيدٌ.. بل جيدٌ جدًّا مقارنةً بما هو حاصل في دول أخرى.. ماذا في عائد 8% على العقار؟.. أليس هذا خيرًا؟.. وإن شاء الله بلدنا ستكون هي الأفضل بعد هذه الاكتشافات النفطية.


تعليقات

المشاركات الشائعة